دور الأسرة في بناء المجتمع
صفحة 2 من اصل 1
دور الأسرة في بناء المجتمع
خطبه الجمعه بعنوان(دور الأسرة في بناء المجتمع)
إن للأسرة دوراً عظيماً في بناء المجتمع؛ حتى تنتشر فيه الفضائل، وتنبذ الرذائل، وإن من أعظم ما يعين المسلم في تربية أولاده ونسائه: النظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإمعان النظر في حسن معاشرته لنسائه، وكيفية تربيته لأولاده، فهو النور الذي يستضاء به في هذه الحياة المظلمة بالمعاصي والمنكرات.
أسرة محمد صلى الله عليه وسلم منبع التعليم والتربية
تربية الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله بالإيمان والإسلام والقرآن والصيام والقيام، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً, وشفاءً من كل داء.
اللهم انصر المجاهدين في فلسطين وأفغانستان، اللهم سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفك أسرهم، واغفر ذنبهم، ومكن لهم، وأرنا في اليهود والشيوعيين والصليبيين عجائب قدرتك.
أمـا بعد:
أيها الأحباب الكرام!
أكرم أسرة نتعلم منها إلى يوم القيامة هي أسرة محمد صلى الله عليه وسلم، أسرة محمد الكريمة تظل هي المدرسة قبل كل مدرسة، وهي الأسرة قبل تكوين الأسر، وهي المجتمع الإيماني الإسلامي الذي جعل الله صفحته مفتوحة للخاصة والعامة لكل الخلائق إلى يوم الدين، فمن لم يجعل أسرة محمد صلى الله عليه وسلم له قدوة فهو خاسر في الدنيا وفي الآخرة.
نبدأ منذ زواجه الأول، لم ينعقد هذا الزواج من أجل حسب ولا نسب ولا سلطان، وإنما انعقد من أجل قيم وأخلاق، وكل زواج يقوم على قيم وأخلاق يوفقه الله.
لم تنـزل عليه الرسالة ولا النبوة آنذاك، وإنما أنشأه الله وأدبه منذ صغره على الأخلاق، حتى حفلات العرس التي تعقدها قريش، وتضرب فيها المزامير وترقص البنات عصمه الله منها، فلما هم مرة واحدة أن يحضر حفلة من هذه الحفلات وهو غلام يرعى الأغنام، أنزل الله عليه النوم، حتى مرت الحفلة ولم يحضرها محمد صلى الله عليه وسلم، هذا يعطينا درساً قيماً في البناء الأسري؛ أن البنات والأولاد عندما ينشئون على العفة والنظافة تنتج منهم أسر كريمة في المستقبل، فالبنت التي قد تعودت على حضور الحفلات، والذهاب إلى الفنادق والمطاعم، لا تنتظر منها خيراً، حتى ولو تحجبت بعد ذلك ففي نفسها شيء، تحتاج إلى زمن طويل حتى تنظف وتتطهر، الدين ليس قطعة أو خرقة على الرأس، وإنما هو سلوك وتربية منذ الصغر، لهذا نحن هنا أجناس وأشكال، مغازلة في الشوارع متحجبة وغير متحجبة إلا من رحم الله.
فمنذ الصغر ومحمد عليه الصلاة والسلام يرعاه ربه لأن أسرته ستكون أم الأسر، وقدوة القدوات، قريش يعملون عيداً لأصنامهم يريد أن يحضر مثل هذه الأعياد فحفظه الله من ذلك.
قريش تبني الكعبة ومن عاداتها أنها تكشف عورتها عند الكعبة، تحج عريانة نساءً ورجالاً، وعند البناء حتى يحافظوا على شعورهم الناعمة لكي لا يأتي عليها التراب، يرفعون ثيابهم ويكشفون عوراتهم، ويجعلون الثياب على رءوسهم وعلى شعورهم ويحملون الحجر على الرأس.
وهم مرة واحدة أن ينـزع ثوبه لكي يدفع عن رأسه التراب فخر مغشياً عليه، لماذا كل هذا؟ نظافة منذ الصغر، فعندما تراقب ابنك على كل شيء وتلتقط منه الكلمة التي أخذها من الشوارع، والكلمة التي أخذها من المدرسة، والكلمة التي أخذها من التلفاز، والكلمة التي أخذها من الصور المتحركة، والنظرة التي شاهدها، فهذا التنظيف أنفع للطفل من الطعام والشراب والكساء وملابس العيد.
(كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) والتضييع ليس بالتجويع، ولو كان التضييع بالتجويع لضاع شباب الانتفاضة وفلسطين؛ لأن اليهود أبخل الناس في الأرض: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً [النساء:53] التمر فوقه نقرة صغيرة لا يعطون الناس ذرة طحين عليها وهذا من بخلهم.
ومع هذا فالأسرة الفلسطينية تجلس عند الفطور على عودين مسلوقين بماء وملح، وملعقة زيت، وخبزتين يقطعها الوالد على ثنتي عشرة نفساً، وكل واحد يأخذ له قطعة ويلحسها، وينظر من بعيد، ويبارك الله فيها، ولا يمدون أيديهم إلى اليهود.
فمن أين جاء هذا الصبر؟
من الإيمان، والإسلام، والرغبة بما عند الله، والتربية على المنابر والمساجد، والذكر والقرآن، والسنن الإيمانية أوجدت مثل هذه الأسر الصابرة، حتى أصبحت قرية نحالين التي فيها ألف نسمة ما بين طفل وامرأة ورجل تقدم ثمانية شهداء وخمسة وستين جريحاً، يستقبلون رصاص الطائرات في صدورهم، ويذهبون شهداء إلى الله رب العالمين.
إذاً إهمال الأولاد وإلقاء المسئولية على الآخرين أعظم تضييع لهم، فمن الذي ربى محمداً صلى الله عليه وسلم؟ الله، لكي يربي به العرب والعجم.
فلما أسلم العرب صاروا سادة وقادة للناس حتى اليوم! اترك هؤلاء السفهاء الذين يسافرون بانكوك وتايلاند فهم حثالة الأرض، لكن إذا أردت أن تعرف العرب المسلمين فانظر الشباب الذين يذهبون إلى أفغانستان والصين الشعبية، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويخرجون في سبيل الله.
أذكر عندما ذهبت إلى قارة أفريقيا بماذا استقبلتني قارة أفريقيا؟
قارة أفريقيا لما جاءهم العربي المسلم الشيخ القطان؛ خرجت الناس تقول:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينـا ما دعا لله داع
هذه قيمة العربي المسلم عند من يعرف قدره؛ لأنها سلوك وتربية، محمد صلى الله عليه وسلم يعتبر أجنبياً على المدينة وليس من الأوس ولا من الخزرج، ومع هذا فأهل المدينة استقبلت الأجانب؛ قاسموهم أموالهم حتى قال سعد بن الربيع : (يا عبد الرحمن بن عوف! إن لي زوجتين، انظر أرغبهما إلى نفسك أطلقها، فإذا انتهت عدتها تزوجتها).
سلوك وأخلاق!
زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة
تزوج عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد لأخلاقها وأخلاقه، سألت خادمها ميسرة كيف رأيته؟ قال: رأيت منه العجب، قمة في الأخلاق والسلوك، قالت: كفى به هذا!!
وبدلاً من أن الرجل يخطب أصبحت المرأة تطلب وتخطب؛ لأن هذا كنـز سيفوت إذا لم تكسبه، إذا أنت رأيت الشاب الصالح وعندك سبع بنات أو ثمان بنات مسلمات مؤمنات ذاكرات حافظات للغيب، لا تنتظر أحداً حتى يأتيك، قل له: تعال يا بني! عندك زوجة؟
لا. ليس عندي.
لماذا لم تتزوج يا بني؟
فيقول: يريدون سيارة ومهراً، وبيتاً ووظيفة.
أنت صالح .. من الدعاة .. من المجاهدين؟! تعال أزوجك، هذه غرفة عندي في البيت، وادفع المهر الذي تقدر عليه عشرة دنانير أو عشرين ديناراً، فيعف بنته ويعف الشاب الصالح، ويكون له عوناً داخل بيته ويعينه ويساعده، وتكمل فيه الأسرة والفرحة، وينـزل الله الغنى والبركة على هؤلاء الناس.
هكذا كانت أسرة محمد صلى الله عليه وسلم لما خطب علي بن أبي طالب فاطمة: ماذا عندك؟
قال: عندي درعي التي أجاهد بها، وثمانية دراهم، قال: زوجتك فاطمة ، ثم التفت عليه الصلاة والسلام فرأى قطيفة في بيته من خديجة رضي الله عنها، فأعطاها البنت، وقال: هذه القطيفة هي الزفة، بنت أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم تزوج بدرع حربي، وقطيفة قديمة.
فماذا أنتج هذا الزواج؟
أنتج الحسن والحسين ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيدي شباب أهل الجنة، هذا الزواج المبارك.
تزوج خديجة لهذا الاعتبار المفقود في زماننا اليوم، بين الحين والآخر يأتيني شاب يقول: يا أخي! تزوجت امرأة بأحد عشر ألفاً، وإني عازم على طلاقها، لماذا تطلقها؟ قال: لأنني وجدت أنها لا تصلح لي، لا حول ولا قوة إلا بالله! لماذا يا أخي؟ يقول: إن والدي قال: لابد أن تكون من العشيرة، وأن تكون من القبيلة، فلما أخذتها لم تكتب على جبينها صالحة أو طالحة، فلما رأيت وجدتها لا تصلح.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه وأمانته فزوجوه، إلَّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ليست الفتنة في الأسرة وإنما تكون الفتنة في الأرض؛ لأن الأرض تتكون من مجتمع، والمجتمع يتكون من أسرة، والأسرة تتكون من زوج وزوجة، هذه هي التركيبات.
ليس هناك مجتمع إلا بأناس، ولا أناس إلا بأسر، ولا توجد أسرة إلا بزوجين، لهذا حرص الشيطان على الأساس، يفرق بين الزوج والزوجة حتى يهدم المجتمع بكامله.
الحياة الإيمانية السعيدة مع خديجة
وإذا انهدم المجتمع انهدم الدين؛ لأن الدين لا تعمل فيه الجدران، وإنما يعمل فيه الإنسان، فإذا انهدم الإنسان انهدم الدين: (ألا أدلكم على أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟! إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، ولا أقول تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين).
إذا فسد ذات البين بين الناس تفرق الزوج عن زوجه، والوالد عن ولده وهكذا... أصبحت الصلاة والصيام والزكاة لا تؤثر ولا تربي، الدين يحلق، لأن من مقاصد الدين التواصل، فإذا حدث التقاطع لا يؤدي الدين دوره.
تزوج خديجة لهذا الاعتبار وعاش معها أطيب حياة، وذكرياته معها أجمل الذكريات، ظل يعيشها إلى آخر لحظة من لحظات حياته، وهي تكبره خمسة عشر عاماً.
وتأتي العجائز من صويحبات خديجة بعد موتها، فيقوم ويفرش لهن البردة الشريفة، وتقول عائشة: كل هذا لهذه العجوز؟ عائشة بنت في السابعة عشرة من عمرها من أجمل النساء، تغار من امرأة عجوز ما في فمها ضرس واحد، كل هذا من أجل هذه العجوز يا رسول الله؟ قال: (نعم. إنها من صويحبات خديجة ).
لماذا كل هذا؟ يوم أن جاءها يرجف وقد نزل من الجبل، الآن لو يأتي زوج عنده مشكلة في الشارع أو في العمل، أو مشكلة اقتصادية أو نفسية يدخل البيت يرتجف، تدعو عليه زوجته وتصيح وتشتم، إلا من رحم الله، خديجة احتضنته والتزمته وزملته حتى سكن روعه، وهدأت نفسه، ثم قالت: (إنك تحمل الكل، وتصل الرحم، وتعين الملهوف وذا الحاجة، وتعين على نوائب الدهر، لن يخيبك الله يا محمد) الذي يحمل هذه الأخلاقيات فإن الله لا يضيعه، فأخذته وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وقالت: اسمع القصة، فلما سمعه قال: هذا الناموس الذي نزل على موسى، الناموس أي: الوحي جبريل عليه السلام، ثم قال: يا ليتني فيها جذعاً -أي شاباً- إذاً لنصرتك نصراً مؤزراً، قال: (أومخرجي هم؟) قال: نعم.
وظل الملك يأتيه بين الحين والآخر، وهو لا يدري ماذا يفعل، وتجربة جديدة على الإنسان، أنت في الليل ترى رؤيا، فلا ترتاح حتى تذهب إلى شيخ أو عالم تفسرها حتى تعرف أهي خير أم شر.
فكيف بمن غطه ثلاث غطات حتى كادت روحه أن تخرج، يريد أن يطمئن نفسه أنه ملك، قالت له: تعال.
الشياطين لهم أخلاق، والملائكة لهم أخلاق، فأجلسته على فخذها، وشعرها ونحرها وصدرها مغطاة، قالت: تراه؟ قال نعم أراه، حولته إلى الجهة الثانية، قالت: تراه؟ قال: نعم أراه، ففتحت من بعض زينتها فاختفى الملك؛ لأن الملائكة تستحي والشياطين لا تستحي، قالت: تراه؟ قال: لا أراه، قالت: أبشر إنه ملك.
تطمئنه من أول لحظات النبوة والرسالة، أين الزوجات من هذا النوع؟ نسأل الله أن يكثر المؤمنات الصادقات التي تعين زوجها على الطاعات والعبادات والإنفاق في سبيل الله.
ويعيش معها حياة طيبة مملوءة بالسعادة مع أنها من الناحية المادية لا تجد شيئاً.
حوصر معها في شعب أبي طالب ثلاث سنوات يأكلون أعشاب الأرض، يخرج منهم البعر، لا يوجد طعام إلا أعشاب الأرض، وأنهت أموالها كلها -وكانت ثرية- في سبيل هذا الدين، وأنتجت أسرة وذرية من خير الأسر، يطوف عليه الصلاة والسلام بالبيت فيقوم له عقبة بن أبي معيط فيأخذه من ثيابه ويقول له وهو يجره: أنت الذي تسفه أحلامنا، وتسب آلهتنا، وتعيب آباءنا؟ قال: نعم. يقف على رءوسهم ويقول: يا معشر قريش! إن لم تسلموا فإني بعثت إليكم بالذبح -في قمة الغضب- فيقولون له: يا محمد! ما عهدناك إلا رحيماً وصولاً، خافوا منه، في اليوم الثاني يجتمعون عليه، ويجرونه حتى يجثو على ركبتيه ويأتي أبو بكر ويخلصه من أيديهم، فيضربون أبا بكر حتى تختفي معالم وجهه، وفي اليوم الثالث يسجد، ما يقول لهم شيئاً، يسجد لربه، يذهب عقبة ويحضر سلى الناقة ويضعه على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. فلا يرفع رأسه، فهو يحلق في روحانية التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير ولا يشعر بهذا، ولا يجرؤ واحد من أصحابه أن يمد يده فينـزع عنه هذا الأذى.
كل الجبابرة والملحدين واقفون يشمتون ويضحكون وبأيديهم السيوف، فلا يستطيع أحد من المؤمنين أن يتحرك .. إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ [المطففين:29-32].
الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ضالون، مثل ما يكتب في الصحف هذه الأيام عن المسلمين وعن أحمد ديدات وعن الدعاة أنهم ضالون، أمير تنظيم الجهاد الإسلامي عمر عبد الرحمن ثبته الله يلقون القبض عليه ويتهمونه ويسجنونه مع أصحابه وتلاميذه، من أجل تصريح، قال: لو قتلنا نجيب محفوظ ما تجرأ سلمان رشدي وأنزل كتابه آيات شيطانية معنى كلامه: لو أنكرنا أول منكر، لما تنوعت المناكر وفرخت فينا.
وما تجرأ الذين ليس فيهم خير على محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه السلبية وهذا الموت في هذه الأمة هو الذي جرأ هؤلاء من الرويبضة وأمثالهم، توافه الناس وسفهاؤهم، يجدون من يحميهم ويؤويهم.
نسأل الله أن يثبت عمر عبد الرحمن في مصر ويثبت إخوانه، ويمكن لهم في الأرض، وينصرهم على من عاداهم، آمين، برحمتك يا أرحم الرحمين!
ثمار تربية النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته
ومن يجرؤ أن يحمل سلى الناقة عن رقبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو ساجد؟ أتدرون من؟ الذي ربي على الشجاعة والقوة فاطمة بنت الانتفاضة الإيمانية الأولى في مكة ، الانتفاضة التي يقول الله عنها: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ [الجن:22-23] الانتفاضة التي يقول الله عنها: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الكهف:13-14] هذه هي الانتفاضة الأولى (إذ قاموا) ليس ناموا!
تقدمت بخطى ثابتة وهم يرمقونها بعيون غضب، يخوفونها فلم تخف، بنت محمد صلى الله عليه وسلم لا تخاف.
فذهبت وجرت بيديها الضعيفتين سلا الجزور، فرفع رأسه، ونفض شعره، فتساقط الدم والتراب، وقال: على رسلك -وهو يبتسم- يا فاطمة! لن يصيبوا أباك بأكثر من هذا.
أذى نصبر على الأذى، أذى من المدير في القسم، وأذى من الوزير، وأذى من الشارع، كله أذى، فما دام وأنت صابر على دينك، فأنت قابض على دينك كالقابض على جمر، فاصبر على هذا الحريق حتى تلقى الله.
أما إذا أردت أن تنافق وتجامل فاذهب: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً [الإسراء:73] فإنك تصير لهم حبيباً إذا تنازلت عن الوحي.
فأمسكها من يدها وذهب بها إلى بيته، ونمت ونشأت هذه الأسرة الطيبة الحبيبة المباركة بأسمائها الطيبة المباركة، وترعرعت في أحضان محمد وخديجة وهي تمر بتجارب لم نمر نحن الكبار بها، صراع الحق والباطل، صراع عقيدة الإيمان مع عقيدة الكفر والشيطان، يشهده أولاد محمد صلى الله عليه وسلم، لا كما يشهد أولادنا اليوم (جنسن) و(مكسن) والفنائل مكتوب عليها ( مارادونا) و(مادونا) لا. إنهم يشاهدون سعد بن أبي وقاص يأخذ قطعة جلد من شاة بين صخرتين يفركها، ويربط على بطنه حجراً وبعدها يسفها، ثلاثة أيام يصبر عليها، ويكشفون عن بطن محمد فيجدون عليه حجرين حتى يرد الجوع، أي أسرة هذه؟
لهذا لما قال لـزينب: فارقي زوجك، إنه لا يحل لك إنه كافر، لم تتردد: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] هاجرت من مكة إلى المدينة وتركت حبيبها، وهي حامل، وجاءها هبار الكافر، وأركبها على الناقة، وأفزع الناقة فجفلت بها فسقطت من فوق الناقة؛ فأجهضت وأتى لها نزيف، سبعة أيام تمشي على ظهر الناقة والدم ينـزف حتى وصلت إلى المدينة ولا يوجد فيها حتى قطرة دم.
معاناة من أول أيام الدين والأمم والأسر تبنى من المعاناة، لا تبنى بالترف، كلما يطلب الولد تأتي له به، يريد الطفل دراجة فتعطيه، يريد يذهب هناك أو هناك تلبي له رغباته، ثم تأتي سيارة بعد ذلك تصدمه فتقعد أسرته تبكي عليه طول عمرهم.
أما زينب فتصل المدينة في حالة يرثى لها فيقول عليه الصلاة والسلام: (من فعل بك هذا؟ قالت: هبار، قال: من رأى هباراً فليحرقه بالنار) لحظة من لحظات الغضب.
فهدأ بعد ذلك وقال: لا. إن التشريعات الربانية مقدمة على العاطفة الأبوية، قال: (لا. لا يحرق بالنار إلا رب النار) تراجع، فلما فتحت مكة وجاء هبار وأسلم، قبل إسلامه وعفا عنه.
إن للأسرة دوراً عظيماً في بناء المجتمع؛ حتى تنتشر فيه الفضائل، وتنبذ الرذائل، وإن من أعظم ما يعين المسلم في تربية أولاده ونسائه: النظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإمعان النظر في حسن معاشرته لنسائه، وكيفية تربيته لأولاده، فهو النور الذي يستضاء به في هذه الحياة المظلمة بالمعاصي والمنكرات.
أسرة محمد صلى الله عليه وسلم منبع التعليم والتربية
تربية الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله بالإيمان والإسلام والقرآن والصيام والقيام، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً, وشفاءً من كل داء.
اللهم انصر المجاهدين في فلسطين وأفغانستان، اللهم سدد رميهم، واجبر كسرهم، وفك أسرهم، واغفر ذنبهم، ومكن لهم، وأرنا في اليهود والشيوعيين والصليبيين عجائب قدرتك.
أمـا بعد:
أيها الأحباب الكرام!
أكرم أسرة نتعلم منها إلى يوم القيامة هي أسرة محمد صلى الله عليه وسلم، أسرة محمد الكريمة تظل هي المدرسة قبل كل مدرسة، وهي الأسرة قبل تكوين الأسر، وهي المجتمع الإيماني الإسلامي الذي جعل الله صفحته مفتوحة للخاصة والعامة لكل الخلائق إلى يوم الدين، فمن لم يجعل أسرة محمد صلى الله عليه وسلم له قدوة فهو خاسر في الدنيا وفي الآخرة.
نبدأ منذ زواجه الأول، لم ينعقد هذا الزواج من أجل حسب ولا نسب ولا سلطان، وإنما انعقد من أجل قيم وأخلاق، وكل زواج يقوم على قيم وأخلاق يوفقه الله.
لم تنـزل عليه الرسالة ولا النبوة آنذاك، وإنما أنشأه الله وأدبه منذ صغره على الأخلاق، حتى حفلات العرس التي تعقدها قريش، وتضرب فيها المزامير وترقص البنات عصمه الله منها، فلما هم مرة واحدة أن يحضر حفلة من هذه الحفلات وهو غلام يرعى الأغنام، أنزل الله عليه النوم، حتى مرت الحفلة ولم يحضرها محمد صلى الله عليه وسلم، هذا يعطينا درساً قيماً في البناء الأسري؛ أن البنات والأولاد عندما ينشئون على العفة والنظافة تنتج منهم أسر كريمة في المستقبل، فالبنت التي قد تعودت على حضور الحفلات، والذهاب إلى الفنادق والمطاعم، لا تنتظر منها خيراً، حتى ولو تحجبت بعد ذلك ففي نفسها شيء، تحتاج إلى زمن طويل حتى تنظف وتتطهر، الدين ليس قطعة أو خرقة على الرأس، وإنما هو سلوك وتربية منذ الصغر، لهذا نحن هنا أجناس وأشكال، مغازلة في الشوارع متحجبة وغير متحجبة إلا من رحم الله.
فمنذ الصغر ومحمد عليه الصلاة والسلام يرعاه ربه لأن أسرته ستكون أم الأسر، وقدوة القدوات، قريش يعملون عيداً لأصنامهم يريد أن يحضر مثل هذه الأعياد فحفظه الله من ذلك.
قريش تبني الكعبة ومن عاداتها أنها تكشف عورتها عند الكعبة، تحج عريانة نساءً ورجالاً، وعند البناء حتى يحافظوا على شعورهم الناعمة لكي لا يأتي عليها التراب، يرفعون ثيابهم ويكشفون عوراتهم، ويجعلون الثياب على رءوسهم وعلى شعورهم ويحملون الحجر على الرأس.
وهم مرة واحدة أن ينـزع ثوبه لكي يدفع عن رأسه التراب فخر مغشياً عليه، لماذا كل هذا؟ نظافة منذ الصغر، فعندما تراقب ابنك على كل شيء وتلتقط منه الكلمة التي أخذها من الشوارع، والكلمة التي أخذها من المدرسة، والكلمة التي أخذها من التلفاز، والكلمة التي أخذها من الصور المتحركة، والنظرة التي شاهدها، فهذا التنظيف أنفع للطفل من الطعام والشراب والكساء وملابس العيد.
(كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) والتضييع ليس بالتجويع، ولو كان التضييع بالتجويع لضاع شباب الانتفاضة وفلسطين؛ لأن اليهود أبخل الناس في الأرض: أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً [النساء:53] التمر فوقه نقرة صغيرة لا يعطون الناس ذرة طحين عليها وهذا من بخلهم.
ومع هذا فالأسرة الفلسطينية تجلس عند الفطور على عودين مسلوقين بماء وملح، وملعقة زيت، وخبزتين يقطعها الوالد على ثنتي عشرة نفساً، وكل واحد يأخذ له قطعة ويلحسها، وينظر من بعيد، ويبارك الله فيها، ولا يمدون أيديهم إلى اليهود.
فمن أين جاء هذا الصبر؟
من الإيمان، والإسلام، والرغبة بما عند الله، والتربية على المنابر والمساجد، والذكر والقرآن، والسنن الإيمانية أوجدت مثل هذه الأسر الصابرة، حتى أصبحت قرية نحالين التي فيها ألف نسمة ما بين طفل وامرأة ورجل تقدم ثمانية شهداء وخمسة وستين جريحاً، يستقبلون رصاص الطائرات في صدورهم، ويذهبون شهداء إلى الله رب العالمين.
إذاً إهمال الأولاد وإلقاء المسئولية على الآخرين أعظم تضييع لهم، فمن الذي ربى محمداً صلى الله عليه وسلم؟ الله، لكي يربي به العرب والعجم.
فلما أسلم العرب صاروا سادة وقادة للناس حتى اليوم! اترك هؤلاء السفهاء الذين يسافرون بانكوك وتايلاند فهم حثالة الأرض، لكن إذا أردت أن تعرف العرب المسلمين فانظر الشباب الذين يذهبون إلى أفغانستان والصين الشعبية، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويخرجون في سبيل الله.
أذكر عندما ذهبت إلى قارة أفريقيا بماذا استقبلتني قارة أفريقيا؟
قارة أفريقيا لما جاءهم العربي المسلم الشيخ القطان؛ خرجت الناس تقول:
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينـا ما دعا لله داع
هذه قيمة العربي المسلم عند من يعرف قدره؛ لأنها سلوك وتربية، محمد صلى الله عليه وسلم يعتبر أجنبياً على المدينة وليس من الأوس ولا من الخزرج، ومع هذا فأهل المدينة استقبلت الأجانب؛ قاسموهم أموالهم حتى قال سعد بن الربيع : (يا عبد الرحمن بن عوف! إن لي زوجتين، انظر أرغبهما إلى نفسك أطلقها، فإذا انتهت عدتها تزوجتها).
سلوك وأخلاق!
زواج النبي صلى الله عليه وسلم بخديجة
تزوج عليه الصلاة والسلام خديجة بنت خويلد لأخلاقها وأخلاقه، سألت خادمها ميسرة كيف رأيته؟ قال: رأيت منه العجب، قمة في الأخلاق والسلوك، قالت: كفى به هذا!!
وبدلاً من أن الرجل يخطب أصبحت المرأة تطلب وتخطب؛ لأن هذا كنـز سيفوت إذا لم تكسبه، إذا أنت رأيت الشاب الصالح وعندك سبع بنات أو ثمان بنات مسلمات مؤمنات ذاكرات حافظات للغيب، لا تنتظر أحداً حتى يأتيك، قل له: تعال يا بني! عندك زوجة؟
لا. ليس عندي.
لماذا لم تتزوج يا بني؟
فيقول: يريدون سيارة ومهراً، وبيتاً ووظيفة.
أنت صالح .. من الدعاة .. من المجاهدين؟! تعال أزوجك، هذه غرفة عندي في البيت، وادفع المهر الذي تقدر عليه عشرة دنانير أو عشرين ديناراً، فيعف بنته ويعف الشاب الصالح، ويكون له عوناً داخل بيته ويعينه ويساعده، وتكمل فيه الأسرة والفرحة، وينـزل الله الغنى والبركة على هؤلاء الناس.
هكذا كانت أسرة محمد صلى الله عليه وسلم لما خطب علي بن أبي طالب فاطمة: ماذا عندك؟
قال: عندي درعي التي أجاهد بها، وثمانية دراهم، قال: زوجتك فاطمة ، ثم التفت عليه الصلاة والسلام فرأى قطيفة في بيته من خديجة رضي الله عنها، فأعطاها البنت، وقال: هذه القطيفة هي الزفة، بنت أكرم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم تزوج بدرع حربي، وقطيفة قديمة.
فماذا أنتج هذا الزواج؟
أنتج الحسن والحسين ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيدي شباب أهل الجنة، هذا الزواج المبارك.
تزوج خديجة لهذا الاعتبار المفقود في زماننا اليوم، بين الحين والآخر يأتيني شاب يقول: يا أخي! تزوجت امرأة بأحد عشر ألفاً، وإني عازم على طلاقها، لماذا تطلقها؟ قال: لأنني وجدت أنها لا تصلح لي، لا حول ولا قوة إلا بالله! لماذا يا أخي؟ يقول: إن والدي قال: لابد أن تكون من العشيرة، وأن تكون من القبيلة، فلما أخذتها لم تكتب على جبينها صالحة أو طالحة، فلما رأيت وجدتها لا تصلح.
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه وأمانته فزوجوه، إلَّا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) ليست الفتنة في الأسرة وإنما تكون الفتنة في الأرض؛ لأن الأرض تتكون من مجتمع، والمجتمع يتكون من أسرة، والأسرة تتكون من زوج وزوجة، هذه هي التركيبات.
ليس هناك مجتمع إلا بأناس، ولا أناس إلا بأسر، ولا توجد أسرة إلا بزوجين، لهذا حرص الشيطان على الأساس، يفرق بين الزوج والزوجة حتى يهدم المجتمع بكامله.
الحياة الإيمانية السعيدة مع خديجة
وإذا انهدم المجتمع انهدم الدين؛ لأن الدين لا تعمل فيه الجدران، وإنما يعمل فيه الإنسان، فإذا انهدم الإنسان انهدم الدين: (ألا أدلكم على أفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟! إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، ولا أقول تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين).
إذا فسد ذات البين بين الناس تفرق الزوج عن زوجه، والوالد عن ولده وهكذا... أصبحت الصلاة والصيام والزكاة لا تؤثر ولا تربي، الدين يحلق، لأن من مقاصد الدين التواصل، فإذا حدث التقاطع لا يؤدي الدين دوره.
تزوج خديجة لهذا الاعتبار وعاش معها أطيب حياة، وذكرياته معها أجمل الذكريات، ظل يعيشها إلى آخر لحظة من لحظات حياته، وهي تكبره خمسة عشر عاماً.
وتأتي العجائز من صويحبات خديجة بعد موتها، فيقوم ويفرش لهن البردة الشريفة، وتقول عائشة: كل هذا لهذه العجوز؟ عائشة بنت في السابعة عشرة من عمرها من أجمل النساء، تغار من امرأة عجوز ما في فمها ضرس واحد، كل هذا من أجل هذه العجوز يا رسول الله؟ قال: (نعم. إنها من صويحبات خديجة ).
لماذا كل هذا؟ يوم أن جاءها يرجف وقد نزل من الجبل، الآن لو يأتي زوج عنده مشكلة في الشارع أو في العمل، أو مشكلة اقتصادية أو نفسية يدخل البيت يرتجف، تدعو عليه زوجته وتصيح وتشتم، إلا من رحم الله، خديجة احتضنته والتزمته وزملته حتى سكن روعه، وهدأت نفسه، ثم قالت: (إنك تحمل الكل، وتصل الرحم، وتعين الملهوف وذا الحاجة، وتعين على نوائب الدهر، لن يخيبك الله يا محمد) الذي يحمل هذه الأخلاقيات فإن الله لا يضيعه، فأخذته وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وقالت: اسمع القصة، فلما سمعه قال: هذا الناموس الذي نزل على موسى، الناموس أي: الوحي جبريل عليه السلام، ثم قال: يا ليتني فيها جذعاً -أي شاباً- إذاً لنصرتك نصراً مؤزراً، قال: (أومخرجي هم؟) قال: نعم.
وظل الملك يأتيه بين الحين والآخر، وهو لا يدري ماذا يفعل، وتجربة جديدة على الإنسان، أنت في الليل ترى رؤيا، فلا ترتاح حتى تذهب إلى شيخ أو عالم تفسرها حتى تعرف أهي خير أم شر.
فكيف بمن غطه ثلاث غطات حتى كادت روحه أن تخرج، يريد أن يطمئن نفسه أنه ملك، قالت له: تعال.
الشياطين لهم أخلاق، والملائكة لهم أخلاق، فأجلسته على فخذها، وشعرها ونحرها وصدرها مغطاة، قالت: تراه؟ قال نعم أراه، حولته إلى الجهة الثانية، قالت: تراه؟ قال: نعم أراه، ففتحت من بعض زينتها فاختفى الملك؛ لأن الملائكة تستحي والشياطين لا تستحي، قالت: تراه؟ قال: لا أراه، قالت: أبشر إنه ملك.
تطمئنه من أول لحظات النبوة والرسالة، أين الزوجات من هذا النوع؟ نسأل الله أن يكثر المؤمنات الصادقات التي تعين زوجها على الطاعات والعبادات والإنفاق في سبيل الله.
ويعيش معها حياة طيبة مملوءة بالسعادة مع أنها من الناحية المادية لا تجد شيئاً.
حوصر معها في شعب أبي طالب ثلاث سنوات يأكلون أعشاب الأرض، يخرج منهم البعر، لا يوجد طعام إلا أعشاب الأرض، وأنهت أموالها كلها -وكانت ثرية- في سبيل هذا الدين، وأنتجت أسرة وذرية من خير الأسر، يطوف عليه الصلاة والسلام بالبيت فيقوم له عقبة بن أبي معيط فيأخذه من ثيابه ويقول له وهو يجره: أنت الذي تسفه أحلامنا، وتسب آلهتنا، وتعيب آباءنا؟ قال: نعم. يقف على رءوسهم ويقول: يا معشر قريش! إن لم تسلموا فإني بعثت إليكم بالذبح -في قمة الغضب- فيقولون له: يا محمد! ما عهدناك إلا رحيماً وصولاً، خافوا منه، في اليوم الثاني يجتمعون عليه، ويجرونه حتى يجثو على ركبتيه ويأتي أبو بكر ويخلصه من أيديهم، فيضربون أبا بكر حتى تختفي معالم وجهه، وفي اليوم الثالث يسجد، ما يقول لهم شيئاً، يسجد لربه، يذهب عقبة ويحضر سلى الناقة ويضعه على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. فلا يرفع رأسه، فهو يحلق في روحانية التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير ولا يشعر بهذا، ولا يجرؤ واحد من أصحابه أن يمد يده فينـزع عنه هذا الأذى.
كل الجبابرة والملحدين واقفون يشمتون ويضحكون وبأيديهم السيوف، فلا يستطيع أحد من المؤمنين أن يتحرك .. إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ * وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ [المطففين:29-32].
الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه ضالون، مثل ما يكتب في الصحف هذه الأيام عن المسلمين وعن أحمد ديدات وعن الدعاة أنهم ضالون، أمير تنظيم الجهاد الإسلامي عمر عبد الرحمن ثبته الله يلقون القبض عليه ويتهمونه ويسجنونه مع أصحابه وتلاميذه، من أجل تصريح، قال: لو قتلنا نجيب محفوظ ما تجرأ سلمان رشدي وأنزل كتابه آيات شيطانية معنى كلامه: لو أنكرنا أول منكر، لما تنوعت المناكر وفرخت فينا.
وما تجرأ الذين ليس فيهم خير على محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن هذه السلبية وهذا الموت في هذه الأمة هو الذي جرأ هؤلاء من الرويبضة وأمثالهم، توافه الناس وسفهاؤهم، يجدون من يحميهم ويؤويهم.
نسأل الله أن يثبت عمر عبد الرحمن في مصر ويثبت إخوانه، ويمكن لهم في الأرض، وينصرهم على من عاداهم، آمين، برحمتك يا أرحم الرحمين!
ثمار تربية النبي صلى الله عليه وسلم في أهل بيته
ومن يجرؤ أن يحمل سلى الناقة عن رقبة الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو ساجد؟ أتدرون من؟ الذي ربي على الشجاعة والقوة فاطمة بنت الانتفاضة الإيمانية الأولى في مكة ، الانتفاضة التي يقول الله عنها: قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً * إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ [الجن:22-23] الانتفاضة التي يقول الله عنها: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً * وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الكهف:13-14] هذه هي الانتفاضة الأولى (إذ قاموا) ليس ناموا!
تقدمت بخطى ثابتة وهم يرمقونها بعيون غضب، يخوفونها فلم تخف، بنت محمد صلى الله عليه وسلم لا تخاف.
فذهبت وجرت بيديها الضعيفتين سلا الجزور، فرفع رأسه، ونفض شعره، فتساقط الدم والتراب، وقال: على رسلك -وهو يبتسم- يا فاطمة! لن يصيبوا أباك بأكثر من هذا.
أذى نصبر على الأذى، أذى من المدير في القسم، وأذى من الوزير، وأذى من الشارع، كله أذى، فما دام وأنت صابر على دينك، فأنت قابض على دينك كالقابض على جمر، فاصبر على هذا الحريق حتى تلقى الله.
أما إذا أردت أن تنافق وتجامل فاذهب: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً [الإسراء:73] فإنك تصير لهم حبيباً إذا تنازلت عن الوحي.
فأمسكها من يدها وذهب بها إلى بيته، ونمت ونشأت هذه الأسرة الطيبة الحبيبة المباركة بأسمائها الطيبة المباركة، وترعرعت في أحضان محمد وخديجة وهي تمر بتجارب لم نمر نحن الكبار بها، صراع الحق والباطل، صراع عقيدة الإيمان مع عقيدة الكفر والشيطان، يشهده أولاد محمد صلى الله عليه وسلم، لا كما يشهد أولادنا اليوم (جنسن) و(مكسن) والفنائل مكتوب عليها ( مارادونا) و(مادونا) لا. إنهم يشاهدون سعد بن أبي وقاص يأخذ قطعة جلد من شاة بين صخرتين يفركها، ويربط على بطنه حجراً وبعدها يسفها، ثلاثة أيام يصبر عليها، ويكشفون عن بطن محمد فيجدون عليه حجرين حتى يرد الجوع، أي أسرة هذه؟
لهذا لما قال لـزينب: فارقي زوجك، إنه لا يحل لك إنه كافر، لم تتردد: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36] هاجرت من مكة إلى المدينة وتركت حبيبها، وهي حامل، وجاءها هبار الكافر، وأركبها على الناقة، وأفزع الناقة فجفلت بها فسقطت من فوق الناقة؛ فأجهضت وأتى لها نزيف، سبعة أيام تمشي على ظهر الناقة والدم ينـزف حتى وصلت إلى المدينة ولا يوجد فيها حتى قطرة دم.
معاناة من أول أيام الدين والأمم والأسر تبنى من المعاناة، لا تبنى بالترف، كلما يطلب الولد تأتي له به، يريد الطفل دراجة فتعطيه، يريد يذهب هناك أو هناك تلبي له رغباته، ثم تأتي سيارة بعد ذلك تصدمه فتقعد أسرته تبكي عليه طول عمرهم.
أما زينب فتصل المدينة في حالة يرثى لها فيقول عليه الصلاة والسلام: (من فعل بك هذا؟ قالت: هبار، قال: من رأى هباراً فليحرقه بالنار) لحظة من لحظات الغضب.
فهدأ بعد ذلك وقال: لا. إن التشريعات الربانية مقدمة على العاطفة الأبوية، قال: (لا. لا يحرق بالنار إلا رب النار) تراجع، فلما فتحت مكة وجاء هبار وأسلم، قبل إسلامه وعفا عنه.
ساعي البريد- متميز
- عدد المساهمات : 59
نقاط : 173
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 13/06/2013
صفحة 2 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى