سنن المطر واحكامها
صفحة 2 من اصل 1
سنن المطر واحكامها
العنوان: سنن المطر وأحكامه.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، فإن من أعظم النعم على الخلق في هذه الدنيا نعمة الأمطار التي تأتي بالماء الذي له من الفوائد والعوائد على البشر والأنعام، والأرض والشجر ما لا يحصيه إلا الله -سبحانه وتعالى- فكل شيءٍ حيٍ لا يستغني عن الماء ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء:30]. حتى الأرض يحيها الله بعد موتها بالماء والمطر ﴿وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ [البقرة:164]، فتخرج به الثمرات والزروع ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾ [البقرة:22]. وماء المطر ماءٌ مبارك لكثرة خيره، وأن الله -سبحانه وتعالى- أنزله مباركًا كما قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [ق:9] فالواجب أن نعبد الله صاحب هذا الإنعام، وأن نشكره على هذا الخير والجود الذي نسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يزيدنا من فضله. عباد الله، لقد ورد في شرعنا الحكيم عددٌ من السنن والأحكام المتعلقة بالمطر فتعلموها تأخذوا بها أجرًا، من هذه الأحكام: أنه يشرع أداء صلاة الاستسقاء بأمرٍ من الإمام عند تأخر نزول المطر، وحاجة الناس له فيخرج إليها متذللًا متخشعًا متضرعًا فيصلي ركعتين ثم يخطب خطبةً واحدة ثم يُلح في الدعاء ويستقبل القبلة، ويقلب رداءه، ويرفع يديه بشدة، ولا يستبطئ الإجابة. وينبغي قبل الخروج إليها فعل الأسباب التي تدفع الشر وتنزل الرحمة كـ(الاستغفار، والتوبة، والخروج من المظالم) فهي من أسباب الجدب والقحط. قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم:41] فالتوبة فيها أثرٌ عظيمٌ في نزول الأمطار كما قال نوحٌ -عليه السلام-: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [نوح:10-11]، وقال هودٌ -عليه السلام-: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [هود:52]. ومن أنواع الاستسقاء: ما يفعله الخطيب في صلاة الجمعة من دعاءه الله أن ينزل المطر، ويمُنَّ بالأمطار. ففي الصحيحين من حديث أنسٍ: "أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ يخطب فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا ثم قال: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا)، قال: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثم قال: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» قَالَ أَنَسٌ -رضي الله تعالى عنه-: "وَلاَ وَاللَّهِ، مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلاَ قَزَعَةً وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ"، قَالَ: "فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ" (أي: من وراء جبل سلعٍ) فَطَلعتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قال: فَلاَ وَاللَّهِ، مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سبتًّا (أي: أسبوعًا)، ولم ينزل من منبره -صلى الله عليه وسلم- حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته". كما يُسن رفع المأمومين أيديهم مع الإمام في خطبة الجمعة إذا رفع يديه واستسقى فقط أما في غيرها فلا يرفع. قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء) وأورد فيه روايةً عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا ورفع الناس أيديهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعون"، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الغيم تغير حاله ففي صحيح مسلمٍ عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "وإذا تخيلت السماء (أي: تهيأت للمطر) تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر فإذا مطرت سري عنه فعرفت ذلك عائشة -رضي الله تعالى عنها- فسألته فقال: «لعلَّه يا عائشة كما قال قوم عادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف:24]»؛ يعني أنه قد يكون فيها العذاب، وكان عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنه- إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يُسَّبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته". ومن السنة: إذا نزل المطر أن يدعوا فيقول: (اللهم صيبًا نافعًا)، وأن يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته، أو مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله). كما في صحيح البخاري: "ولا ينسب المطر إلى النجوم فإن ذلك من الكفر بالله تعالى". ومن السنة: التعرض للمطر، فعن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: "أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر (أي: ابتلى جسده -صلى الله عليه وسلم-) فقلنا: «يا رسول الله، لمِا صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهدٍ بربه تعالى»" رواه مسلم. ووقت نزول المطر -عباد الله- من مواطن استجابة الدعاء، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اطْلُبُوا إجَابَةَ الدُّعَاء عِنْدَ الْتِقَاء الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْمَطر» وإذا خيف من كثرته وضرره يسن أن يقال: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا عَلَى الآكَامِ والجبال والآجام، وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ». كما في صحيح البخاري عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه-. ويسن عند نزول المطر الجمع بين الصلاتين الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء بتقديمٍ أو تأخيرٍ، وذلك إذا بلَّل المطر الثياب والأرض، وكان هناك حرجٌ على الناس، كما قال ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: (لئلا يُحرج على أمته). والمطر الشديد من الأعذار المبيحة؛ لعدم حضور الجماعة في المسجد، كذلك البرد الشديد أو الريح الشديدة. فقد جاء في البخاري من حديث مالكٍ عن نافعٍ قال: "إن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما- أَذن بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثم قال: "ألَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ"، ثُمَّ قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَة ذَات برِدٍ ومَطَر يَقُول: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِحَالِ»". أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، إن هذا الكون وما فيه من الأحوال والمخلوقات كله لله وبيد الله فهو الذي يعطي وهو الذي يمنع؛ لذلك يجب علينا أن نوحد الله ونعبده، ونخلص في عبادته ولا نشرك به شيئًا فإن أردنا الأمطار فلنتوجه إلى الله فهو المستحق للعبادة، قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22]. فالذي أولانا هذه النعمة، وأنزل المطر وأحيَّا الأرض بعد موتها هو المستحق أن لا نجعل معه شريكٌ في عبادته، وأن نفرده بالعبادة وحده لا شريك له. كما يجوز في الاستسقاء التوسل بدعاء العبد الصالح الحي الحاضر كما جاء عن عمر في الصحيح أنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: "اللهم إنَّا كنَّا نتوسل إليك بنبينا -صلى الله عليه وسلم- فتسقينا (أي: بدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس ويدعو الله للمطر)، وإنَّا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون". أي: بدعائه، وصلاته بالناس الاستسقاء، أما إن كان ميتًا أو قبرًا أو غائبًا فلا يجوز ذلك وهو من الشرك بالله -تعالى-. كما أن وقت نزول المطر تحديدًا لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى- فلا يدري متى يجيء المطر إلا الله. ففي حديث ابن عمر قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «مفتاح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله» وذكر منها: «وما يدري أحدٌ متى يجيءُ المطر» رواه البخاري. عباد الله، إن المطر كما أنه رحمة فقد يكون عذابًا فعذب الله قوم نوحٍ: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر﴾ [القمر:12]، وقوم لوطٍ قال الله -عزَّ وجلَّ- عنهم: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ [النمل:58]. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ» فتوبوا إلى الله -سبحانه وتعالى- واعبدوه واشكروه على نعمه يزدكم من فضله، وإن تكفروا فإن الله -عزَّ وجلَّ- يزيل عنكم النعم. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنَّا عذاب النار، اللهم إنَّا نشكرك على نعمة المطر فزدنا من فضلك واسقنا برحمتك، اللهم إنَّا نسألك أن تغيثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم سيقا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرق. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد.. فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار أما بعد.. عباد الله، فإن من أعظم النعم على الخلق في هذه الدنيا نعمة الأمطار التي تأتي بالماء الذي له من الفوائد والعوائد على البشر والأنعام، والأرض والشجر ما لا يحصيه إلا الله -سبحانه وتعالى- فكل شيءٍ حيٍ لا يستغني عن الماء ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء:30]. حتى الأرض يحيها الله بعد موتها بالماء والمطر ﴿وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ [البقرة:164]، فتخرج به الثمرات والزروع ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾ [البقرة:22]. وماء المطر ماءٌ مبارك لكثرة خيره، وأن الله -سبحانه وتعالى- أنزله مباركًا كما قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ﴾ [ق:9] فالواجب أن نعبد الله صاحب هذا الإنعام، وأن نشكره على هذا الخير والجود الذي نسأل الله -عزَّ وجلَّ- أن يزيدنا من فضله. عباد الله، لقد ورد في شرعنا الحكيم عددٌ من السنن والأحكام المتعلقة بالمطر فتعلموها تأخذوا بها أجرًا، من هذه الأحكام: أنه يشرع أداء صلاة الاستسقاء بأمرٍ من الإمام عند تأخر نزول المطر، وحاجة الناس له فيخرج إليها متذللًا متخشعًا متضرعًا فيصلي ركعتين ثم يخطب خطبةً واحدة ثم يُلح في الدعاء ويستقبل القبلة، ويقلب رداءه، ويرفع يديه بشدة، ولا يستبطئ الإجابة. وينبغي قبل الخروج إليها فعل الأسباب التي تدفع الشر وتنزل الرحمة كـ(الاستغفار، والتوبة، والخروج من المظالم) فهي من أسباب الجدب والقحط. قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ [الروم:41] فالتوبة فيها أثرٌ عظيمٌ في نزول الأمطار كما قال نوحٌ -عليه السلام-: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [نوح:10-11]، وقال هودٌ -عليه السلام-: ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾ [هود:52]. ومن أنواع الاستسقاء: ما يفعله الخطيب في صلاة الجمعة من دعاءه الله أن ينزل المطر، ويمُنَّ بالأمطار. ففي الصحيحين من حديث أنسٍ: "أن رجلًا دخل المسجد يوم الجمعة، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمٌ يخطب فاستقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا ثم قال: (يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعْتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا)، قال: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَدَيْهِ ثم قال: «اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» قَالَ أَنَسٌ -رضي الله تعالى عنه-: "وَلاَ وَاللَّهِ، مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلاَ قَزَعَةً وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ وَلاَ دَارٍ"، قَالَ: "فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ" (أي: من وراء جبل سلعٍ) فَطَلعتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ. قال: فَلاَ وَاللَّهِ، مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سبتًّا (أي: أسبوعًا)، ولم ينزل من منبره -صلى الله عليه وسلم- حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته". كما يُسن رفع المأمومين أيديهم مع الإمام في خطبة الجمعة إذا رفع يديه واستسقى فقط أما في غيرها فلا يرفع. قال البخاري -رحمه الله تعالى-: (باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء) وأورد فيه روايةً عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: "فرفع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا ورفع الناس أيديهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعون"، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الغيم تغير حاله ففي صحيح مسلمٍ عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "وإذا تخيلت السماء (أي: تهيأت للمطر) تغير لونه، وخرج ودخل، وأقبل وأدبر فإذا مطرت سري عنه فعرفت ذلك عائشة -رضي الله تعالى عنها- فسألته فقال: «لعلَّه يا عائشة كما قال قوم عادٍ: ﴿فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ [الأحقاف:24]»؛ يعني أنه قد يكون فيها العذاب، وكان عبد الله بن الزبير -رضي الله تعالى عنه- إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يُسَّبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته". ومن السنة: إذا نزل المطر أن يدعوا فيقول: (اللهم صيبًا نافعًا)، وأن يقول: (مطرنا بفضل الله ورحمته، أو مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله). كما في صحيح البخاري: "ولا ينسب المطر إلى النجوم فإن ذلك من الكفر بالله تعالى". ومن السنة: التعرض للمطر، فعن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه- قال: "أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر، قال: فحصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر (أي: ابتلى جسده -صلى الله عليه وسلم-) فقلنا: «يا رسول الله، لمِا صنعت هذا؟ قال: لأنه حديث عهدٍ بربه تعالى»" رواه مسلم. ووقت نزول المطر -عباد الله- من مواطن استجابة الدعاء، ففي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «اطْلُبُوا إجَابَةَ الدُّعَاء عِنْدَ الْتِقَاء الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْمَطر» وإذا خيف من كثرته وضرره يسن أن يقال: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلا عَلَيْنَا عَلَى الآكَامِ والجبال والآجام، وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ». كما في صحيح البخاري عن أنسٍ -رضي الله تعالى عنه-. ويسن عند نزول المطر الجمع بين الصلاتين الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء بتقديمٍ أو تأخيرٍ، وذلك إذا بلَّل المطر الثياب والأرض، وكان هناك حرجٌ على الناس، كما قال ابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما-: (لئلا يُحرج على أمته). والمطر الشديد من الأعذار المبيحة؛ لعدم حضور الجماعة في المسجد، كذلك البرد الشديد أو الريح الشديدة. فقد جاء في البخاري من حديث مالكٍ عن نافعٍ قال: "إن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله تعالى عنهما- أَذن بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثم قال: "ألَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ"، ثُمَّ قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَة ذَات برِدٍ ومَطَر يَقُول: «أَلَا صَلُّوا فِي الرِحَالِ»". أقول ما تسمعون، واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه أما بعد.. عباد الله، إن هذا الكون وما فيه من الأحوال والمخلوقات كله لله وبيد الله فهو الذي يعطي وهو الذي يمنع؛ لذلك يجب علينا أن نوحد الله ونعبده، ونخلص في عبادته ولا نشرك به شيئًا فإن أردنا الأمطار فلنتوجه إلى الله فهو المستحق للعبادة، قال -عزَّ وجلَّ-: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:22]. فالذي أولانا هذه النعمة، وأنزل المطر وأحيَّا الأرض بعد موتها هو المستحق أن لا نجعل معه شريكٌ في عبادته، وأن نفرده بالعبادة وحده لا شريك له. كما يجوز في الاستسقاء التوسل بدعاء العبد الصالح الحي الحاضر كما جاء عن عمر في الصحيح أنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: "اللهم إنَّا كنَّا نتوسل إليك بنبينا -صلى الله عليه وسلم- فتسقينا (أي: بدعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس ويدعو الله للمطر)، وإنَّا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال: فيسقون". أي: بدعائه، وصلاته بالناس الاستسقاء، أما إن كان ميتًا أو قبرًا أو غائبًا فلا يجوز ذلك وهو من الشرك بالله -تعالى-. كما أن وقت نزول المطر تحديدًا لا يعلمه إلا الله -سبحانه وتعالى- فلا يدري متى يجيء المطر إلا الله. ففي حديث ابن عمر قال نبينا -صلى الله عليه وسلم-: «مفتاح الغيب خمسٌ لا يعلمها إلا الله» وذكر منها: «وما يدري أحدٌ متى يجيءُ المطر» رواه البخاري. عباد الله، إن المطر كما أنه رحمة فقد يكون عذابًا فعذب الله قوم نوحٍ: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِر﴾ [القمر:12]، وقوم لوطٍ قال الله -عزَّ وجلَّ- عنهم: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ﴾ [النمل:58]. وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ، وَلَا بَلَاءٍ، وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ» فتوبوا إلى الله -سبحانه وتعالى- واعبدوه واشكروه على نعمه يزدكم من فضله، وإن تكفروا فإن الله -عزَّ وجلَّ- يزيل عنكم النعم. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات. ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منَّا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنَّا عذاب النار، اللهم إنَّا نشكرك على نعمة المطر فزدنا من فضلك واسقنا برحمتك، اللهم إنَّا نسألك أن تغيثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم سيقا رحمةٍ لا سقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرق. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
ساعي البريد- متميز
- عدد المساهمات : 59
نقاط : 173
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 13/06/2013
صفحة 2 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى