تفسير ولقد خلقنا الانسان ونعلم ماتوسوس ونحن اقرب اليه من حبل الوريد
صفحة 2 من اصل 1
تفسير ولقد خلقنا الانسان ونعلم ماتوسوس ونحن اقرب اليه من حبل الوريد
قال تعالى
( ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ( 16 ) إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ( 17 ) ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( 18 ) وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ( 19 ) ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ( 20 ) وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ( 21 ) لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ( 22 ) )
[ ص: 398 ] يخبر تعالى عن قدرته على الإنسان بأنه خالقه ، وعمله محيط بجميع أموره حتى إنه تعالى يعلم ما توسوس به نفوس بني آدم من الخير والشر . وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل " .
وقوله : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) يعني : ملائكته تعالى أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه . ومن تأوله على العلم فإنما فر لئلا يلزم حلول أو اتحاد ، وهما منفيان بالإجماع ، تعالى الله وتقدس ، ولكن اللفظ لا يقتضيه فإنه لم يقل : وأنا أقرب إليه من حبل الوريد ، وإنما قال : ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) كما قال في المحتضر : ( ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ) [ الواقعة : 85 ] ، يعني ملائكته . وكما قال [ تعالى ] : ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) [ الحجر : 9 ] ، فالملائكة نزلت بالذكر - وهو القرآن - بإذن الله عز وجل . وكذلك الملائكة أقرب إلى الإنسان من حبل وريده إليه بإقدار الله لهم على ذلك ، فللملك لمة في الإنسان كما أن للشيطان لمة وكذلك : " الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " ، كما أخبر بذلك الصادق المصدوق ; ولهذا قال هاهنا : ( إذ يتلقى المتلقيان ) يعني : الملكين اللذين يكتبان عمل الإنسان . ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) أي : مترصد .
( ما يلفظ ) أي : ابن آدم ( من قول ) أي : ما يتكلم بكلمة ( إلا لديه رقيب عتيد ) أي : إلا ولها من يراقبها معتد لذلك يكتبها ، لا يترك كلمة ولا حركة ، كما قال تعالى : ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) [ الانفطار : 10 - 12 ] .
وقد اختلف العلماء : هل يكتب الملك كل شيء من الكلام ؟ وهو قول الحسن وقتادة ، أو إنما يكتب ما فيه ثواب وعقاب كما هو قول ابن عباس ، على قولين ، وظاهر الآية الأول ، لعموم قوله : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا محمد بن عمرو بن علقمة الليثي ، عن أبيه ، عن جده علقمة ، عن بلال بن الحارث المزني قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه . وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت ، يكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه " . قال : فكان علقمة يقول : كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث .
ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه ، من حديث محمد بن عمرو به . وقال الترمذي : حسن [ ص: 399 ] صحيح . وله شاهد في الصحيح .
وقال الأحنف بن قيس : صاحب اليمين يكتب الخير ، وهو أمير على صاحب الشمال ، فإن أصاب العبد خطيئة قال له : أمسك ، فإن استغفر الله تعالى نهاه أن يكتبها ، وإن أبى كتبها . رواه ابن أبي حاتم .
وقال الحسن البصري وتلا هذه الآية : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) : يابن آدم ، بسطت لك صحيفة ، ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك ، والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك ، وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك فاعمل ما شئت ، أقلل أو أكثر حتى إذا مت طويت صحيفتك ، وجعلت في عنقك معك في قبرك ، حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) [ الإسراء : 13 ، 14 ] ثم يقول : عدل - والله - فيك من جعلك حسيب نفسك .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس : ( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) قال : يكتب كل ما تكلم به من خير أو شر ، حتى إنه ليكتب قوله : " أكلت ، شربت ، ذهبت ، جئت ، رأيت " ، حتى إذا كان يوم الخميس عرض قوله وعمله ، فأقر منه ما كان فيه من خير أو شر ، وألقى سائره ، وذلك قوله : ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) [ الرعد : 39 ] ، وذكر عن الإمام أحمد أنه كان يئن في مرضه ، فبلغه عن طاوس أنه قال : يكتب الملك كل شيء حتى الأنين . فلم يئن أحمد حتى مات رحمه الله .
وقوله : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) ، يقول تعالى : وجاءت - أيها الإنسان - سكرة الموت بالحق ، أي : كشفت لك عن اليقين الذي كنت تمتري فيه ، ( ذلك ما كنت منه تحيد ) أي : هذا هو الذي كنت تفر منه قد جاءك ، فلا محيد ولا مناص ، ولا فكاك ولا خلاص .
وقد اختلف المفسرون في المخاطب بقوله : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ) ، فالصحيح أن المخاطب بذلك الإنسان من حيث هو . وقيل : الكافر ، وقيل غير ذلك .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لما تغشاه الموت جعل يمسح العرق عن وجهه ويقول : " سبحان الله ! إن للموت لسكرات " .
وقوله : ( ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد ) . قد تقدم الكلام على حديث النفخ في الصور والفزع والصعق والبعث ، وذلك يوم القيامة . وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته ، وانتظر أن يؤذن له " . قالوا : يا رسول الله كيف نقول ؟ قال : " قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل " . فقال القوم : حسبنا الله ونعم الوكيل .
[ ص: 401 ] ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) أي : ملك يسوقه إلى المحشر ، وملك يشهد عليه بأعماله . هذا هو الظاهر من الآية الكريمة . وهو اختيار ابن جرير ، ثم روي من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن يحيى بن رافع - مولى لثقيف - قال : سمعت عثمان بن عفان يخطب ، فقرأ هذه الآية : ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد ) ، فقال : سائق يسوقها إلى الله ، وشاهد يشهد عليها بما عملت . وكذا قال مجاهد ، وقتادة ، وابن زيد .
وقال مطرف ، عن أبي جعفر - مولى أشجع - عن أبي هريرة : السائق : الملك والشهيد : العمل . وكذا قال الضحاك والسدي .
وقال العوفي عن ابن عباس : السائق من الملائكة ، والشهيد : الإنسان نفسه ، يشهد على نفسه . وبه قال الضحاك بن مزاحم أيضا .
وحكى ابن جرير ثلاثة أقوال في المراد بهذا الخطاب في قوله : ( لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد )
أحدها : أن المراد بذلك الكافر . رواه علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس . وبه يقول الضحاك بن مزاحم وصالح بن كيسان .
والثاني : أن المراد بذلك كل أحد من بر وفاجر ; لأن الآخرة بالنسبة إلى الدنيا كاليقظة والدنيا كالمنام . وهذا اختيار ابن جرير ، ونقله عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس .
والثالث : أن المخاطب بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - . وبه يقول زيد بن أسلم ، وابنه . والمعنى على قولهما : لقد كنت في غفلة من هذا الشأن قبل أن يوحى إليك ، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك ، فبصرك اليوم حديد .
والظاهر من السياق خلاف هذا ، بل الخطاب مع الإنسان من حيث هو ، والمراد بقوله : ( لقد كنت في غفلة من هذا ) يعني : من هذا اليوم ، ( فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) أي : قوي ; لأن كل واحد يوم القيامة يكون مستبصرا حتى الكفار في الدنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة ، لكن لا ينفعهم ذلك . قال الله تعالى : ( أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا ) [ مريم : 38 ] ، وقال تعالى : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ) [ السجدة : 12 ] .
تفسير ابن كثير
محمدكامل سعيدالشرعبى- فعال
- عدد المساهمات : 1
نقاط : 3
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 31/05/2013
الموقع : احبكم في الله
صفحة 2 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى