الحجاب سلامه وثواب
صفحة 2 من اصل 1
الحجاب سلامه وثواب
خطبه الجمعه بعنوان(الْحِجَابُ سَلاَمَةٌ وَثَوَابٌ)مشكوله
الْحَمْدُ للهِ ، شَرَحَ صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ فَانْقَادُوا لِطَاعَتِهِ ، وَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ ، فَلَمْ يَجِدُوا حَرَجًا فِي الِاحْتِكَامِ إِلَى شَرِيعَتِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَلَا فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلَا فِي رُبُوبِيَّتِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، وَخَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْمَرْءُ فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، وَيَقُولُ أَيْضًا : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى{ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ ؛ بِأَنَّ حِجَابَ الْمَرْأَةِ عِبَادَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ ، وَفَرِيضَةٌ مِنْ أَهَمِّ الْفَرَائِضِ ، وَقُرْبَةٌ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ ، شَأْنُ الْحِجَابِ شَأْنُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، يُثَابُ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ ؛ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ عَلَيْهِ فِي سُنَّتِهِ ، وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى وُجُوبِهِ . يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : }وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : } وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { ، فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، تَقُولُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : يَرْحَمُ اللهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ ؛ لِمَّا أَنْزَلَ اللهُ : } وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا ؛ أَيْ : غَطَّيْنَ بِهَا رُؤُوسَهُنَّ وَوُجُوهَهُنَّ ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُنَّ أَصْبَحْنَ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَجِرَاتٍ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِبَادَةِ الْحِجَابِ : } يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا { ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْجِلْبَابُ هُوَ الرِّدَاءُ الَّذِي يُغَطِّي وَجْهَ الْمَرْأَةِ وَرَأْسَهَا ـ وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَمَرَ اللهُ نِسَاءَ الِمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فِي حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِنَّ بِالْجَلَالِيبِ. قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ : وَتَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْحِجَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، احْجِبْ نِسَاءَكَ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ . وَفِيهِمَا أَيْضًا : قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ . فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِأَمْرٍ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَلَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ إِلَّا فِيهِ مَفْسَدَةٌ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحِجَابُ ، فَفِي الْعَمَلِ بِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ ، مِنْهَا - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - بَلْ مِنْ أَهَمِّهَا؛ أَنَّهُ طَاعَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ : } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا { .
وَالْحِجَابُ مَعَ أَنَّهُ طَاعَةٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ ، فَهُوَ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى : } وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ { وَقَوْلُهُ : } وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ { فَالْخِطَابُ بِالْحِجَابِ لِلْمُؤْمِنَاتِ ؛ وَكَأَنَّ الْمُلْتَزِمَةَ بِالْحِجَابِ هِيَ الْمُؤْمِنَةُ الْحَقَّةُ الَّتِي أَطَاعَتْ رَبَّهَا ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالْمُؤْمِنَةِ ، وَالْمُؤْمِنَةُ طَائِعَةٌ للهِ مُؤْمِنَةٌ بِهِ .
وَمِنْ فَوَائِدِ الْحِجَابِ وَمَصَالِحِهِ ؛ أَنَّهُ عَلَامَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى الْعِفَّةِ وَالصَّلَاحِ وَالْبُعْدِ عَنِ الدَّنَسِ وَالشَّكِّ وَالرِّيبَةِ ، وَقَاطِعٌ للطُّرُقِ الشَّيْطَانِيَّةِ عِنْدَ مَرْضَى الْقُلُوبِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا { ، يَقُولُ الْأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - : قَوْلُهُ : }ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ { يَعْنِي : أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا الْتَحَفَتْ بِالْجِلْبَابِ عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مِنَ الْعَفَائِفِ الْمُحْصَنَاتِ الطَّيِّبَاتِ ، فَلَا يُؤْذِيهِنَّ الْفُسَّاقُ بِمَا لَا يَلِيقُ مِنَ الْكَلَامِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَتْ مُتَبَذِّلَةً غَيْرَ مَسْتَتِرَةٍ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُطَمِّعُ الْفُسَّاقَ فِيهَا وَالتَّحَرُّشَ بِهَا، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ. فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا بِالْحِجَابِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَمُرُوا مَنْ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ مِنَ النِّسَاءِ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَالْخَصْلَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْكَرِيمَةِ ، وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ { .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
وَلِكَيْ نُدْرِكَ أَهَمِّيَّةَ عِبَادَةِ الْحِجَابِ ، عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ جَرِيمَةَ التَّبَرُّجِ وَهُوَ إِظْهَارُ الْمَحَاسِنِ وَالْمَفَاتِنِ ، فَالْمَرْأَةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحَجَّبَةً فَهِيَ مُتَبَرِّجَةٌ، وَالتَّبَرُّجُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَرَذِيلَةٌ خَطِيرَةٌ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ الْفَسَادِ الْعَرِيضِ ، وَلِذَلِكَ تَوَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَاتِ ذَلِكَ بِالْعَذَابِ بِالنَّارِ ، وَالتَّوَعُّدُ بِالنَّارِ عَلَى فِعْلٍ مَا، وَالْحِرْمَانُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ ؛ هُوَ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا )) ، وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ عَنْ أَبِي أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ، إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِّلاتُ ؛ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ، إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ )) .
الْغُرَابُ الْأَعْصَمُ؛ الْأَبْيَضُ الْجَنَاحَيْنِ أَوِ الرِّجْلَيْنِ ، أَرَادَ قِلَّةَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ فِي الْغُرَابِ عَزِيزٌ . فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى مَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَوَاصُوا بِمَا فِيهِ اتِّبَاعٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . تَذَكَّرُوا يَا عِبَادَ اللهِ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: } قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا{ وَقَوْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ : (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )) .
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا جَمِيعًا التَّمَسُّكَ بِالدِّينِ ، وَالْعَمَلَ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ ، وَالْعَضَّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى سُنَّةِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنِّي نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا ، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا ، وَمِنْ خَلْفِنَا ، وَعَنْ أَيْمَانِنَا ، وَعَنْ شَمَائِلِنَا ، وَمِنْ فَوْقِنَا ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ وَأَمِتْنَا شُهَدَاءَ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِي عَلْيَائِكَ ، وَأَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيعًا ، سَحًّا غَدَقًا ، مُجَلَّلًا عَامًّا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، اللَّهُمَّ غَيْثًا تُحِيي بِهِ الْبِلَادَ وَتَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ . }رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ : }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {. فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
الْحَمْدُ للهِ ، شَرَحَ صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ فَانْقَادُوا لِطَاعَتِهِ ، وَحَبَّبَ إِلَيْهِمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِهِمْ ، فَلَمْ يَجِدُوا حَرَجًا فِي الِاحْتِكَامِ إِلَى شَرِيعَتِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَلَا فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلَا فِي رُبُوبِيَّتِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ، وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ فَيَا عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ ، وَخَيْرُ زَادٍ يَتَزَوَّدُ بِهِ الْمَرْءُ فِي حَيَاتِهِ لِمَعَادِهِ ، يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ : } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { ، وَيَقُولُ أَيْضًا : } وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى{ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ ؛ بِأَنَّ حِجَابَ الْمَرْأَةِ عِبَادَةٌ مِنْ أَعْظَمِ الْعِبَادَاتِ ، وَفَرِيضَةٌ مِنْ أَهَمِّ الْفَرَائِضِ ، وَقُرْبَةٌ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ ، شَأْنُ الْحِجَابِ شَأْنُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، يُثَابُ عَلَيْهِ وَيُعَاقَبُ ؛ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِهِ فِي كِتَابِهِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَثَّ عَلَيْهِ فِي سُنَّتِهِ ، وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا عَلَى وُجُوبِهِ . يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : }وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ { إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : } وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { ، فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ، تَقُولُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : يَرْحَمُ اللهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ ؛ لِمَّا أَنْزَلَ اللهُ : } وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ{ شَقَقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا ؛ أَيْ : غَطَّيْنَ بِهَا رُؤُوسَهُنَّ وَوُجُوهَهُنَّ ، وَقَدْ جَاءَ أَنَّهُنَّ أَصْبَحْنَ وَرَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَجِرَاتٍ كَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ " رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ عِبَادَةِ الْحِجَابِ : } يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا { ، قَالَ الْعُلَمَاءُ : الْجِلْبَابُ هُوَ الرِّدَاءُ الَّذِي يُغَطِّي وَجْهَ الْمَرْأَةِ وَرَأْسَهَا ـ وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : أَمَرَ اللهُ نِسَاءَ الِمُؤْمِنِينَ إِذَا خَرَجْنَ مِنْ بُيُوتِهِنَّ فِي حَاجَةٍ أَنْ يُغَطِّينَ وُجُوهَهُنَّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِنَّ بِالْجَلَالِيبِ. قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ : وَتَفْسِيرُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، بَلْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : إِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْحِجَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، احْجِبْ نِسَاءَكَ . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ . وَفِيهِمَا أَيْضًا : قَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ . فَأَنْزَلَ اللهُ آيَةَ الْحِجَابِ .
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ :
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَأْمُرُ إِلَّا بِأَمْرٍ فِيهِ مَصْلَحَةٌ، وَلَا يَنْهَى عَنْ شَيْءٍ إِلَّا فِيهِ مَفْسَدَةٌ ، وَمِنْ ذَلِكَ الْحِجَابُ ، فَفِي الْعَمَلِ بِهِ مِنَ الْفَوَائِدِ مَا اللهُ بِهِ عَلِيمٌ ، مِنْهَا - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - بَلْ مِنْ أَهَمِّهَا؛ أَنَّهُ طَاعَةٌ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ : } وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا { .
وَالْحِجَابُ مَعَ أَنَّهُ طَاعَةٌ للهِ وَلِرَسُولِهِ ، فَهُوَ عَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى : } وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ { وَقَوْلُهُ : } وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ { فَالْخِطَابُ بِالْحِجَابِ لِلْمُؤْمِنَاتِ ؛ وَكَأَنَّ الْمُلْتَزِمَةَ بِالْحِجَابِ هِيَ الْمُؤْمِنَةُ الْحَقَّةُ الَّتِي أَطَاعَتْ رَبَّهَا ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا بِالْمُؤْمِنَةِ ، وَالْمُؤْمِنَةُ طَائِعَةٌ للهِ مُؤْمِنَةٌ بِهِ .
وَمِنْ فَوَائِدِ الْحِجَابِ وَمَصَالِحِهِ ؛ أَنَّهُ عَلَامَةٌ وَدَلِيلٌ عَلَى الْعِفَّةِ وَالصَّلَاحِ وَالْبُعْدِ عَنِ الدَّنَسِ وَالشَّكِّ وَالرِّيبَةِ ، وَقَاطِعٌ للطُّرُقِ الشَّيْطَانِيَّةِ عِنْدَ مَرْضَى الْقُلُوبِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : } ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا { ، يَقُولُ الْأَلْبَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - : قَوْلُهُ : }ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ { يَعْنِي : أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا الْتَحَفَتْ بِالْجِلْبَابِ عُرِفَتْ بِأَنَّهَا مِنَ الْعَفَائِفِ الْمُحْصَنَاتِ الطَّيِّبَاتِ ، فَلَا يُؤْذِيهِنَّ الْفُسَّاقُ بِمَا لَا يَلِيقُ مِنَ الْكَلَامِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَتْ مُتَبَذِّلَةً غَيْرَ مَسْتَتِرَةٍ ؛ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُطَمِّعُ الْفُسَّاقَ فِيهَا وَالتَّحَرُّشَ بِهَا، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ. فَأَمَرَ اللهُ تَعَالَى نِسَاءَ الْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا بِالْحِجَابِ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَمُرُوا مَنْ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ مِنَ النِّسَاءِ بِهَذِهِ الْعِبَادَةِ الْعَظِيمَةِ ، وَالْخَصْلَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْكَرِيمَةِ ، وَكَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ { .
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
وَلِكَيْ نُدْرِكَ أَهَمِّيَّةَ عِبَادَةِ الْحِجَابِ ، عَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَ جَرِيمَةَ التَّبَرُّجِ وَهُوَ إِظْهَارُ الْمَحَاسِنِ وَالْمَفَاتِنِ ، فَالْمَرْأَةُ إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحَجَّبَةً فَهِيَ مُتَبَرِّجَةٌ، وَالتَّبَرُّجُ - أَيُّهَا الْإِخْوَةُ - كَبِيرَةٌ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، وَرَذِيلَةٌ خَطِيرَةٌ فِي مُجْتَمَعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَسِيلَةٌ مِنْ وَسَائِلِ الْفَسَادِ الْعَرِيضِ ، وَلِذَلِكَ تَوَعَّدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَاتِ ذَلِكَ بِالْعَذَابِ بِالنَّارِ ، وَالتَّوَعُّدُ بِالنَّارِ عَلَى فِعْلٍ مَا، وَالْحِرْمَانُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ ؛ هُوَ عَلَامَةٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا )) ، وَفِي حَدِيثٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى ، وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ عَنْ أَبِي أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ، إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِّلاتُ ؛ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ، إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ )) .
الْغُرَابُ الْأَعْصَمُ؛ الْأَبْيَضُ الْجَنَاحَيْنِ أَوِ الرِّجْلَيْنِ ، أَرَادَ قِلَّةَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ فِي الْغُرَابِ عَزِيزٌ . فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى مَا يُرْضِي اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَوَاصُوا بِمَا فِيهِ اتِّبَاعٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . تَذَكَّرُوا يَا عِبَادَ اللهِ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى: } قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا{ وَقَوْلَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ : (( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )) .
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا جَمِيعًا التَّمَسُّكَ بِالدِّينِ ، وَالْعَمَلَ بِالْكِتَابِ الْمُبِينِ ، وَالْعَضَّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى سُنَّةِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ . اللَّهُمَّ إِنِّي نَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَهْلِنَا وَمَالِنَا ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا ، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا ، اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا ، وَمِنْ خَلْفِنَا ، وَعَنْ أَيْمَانِنَا ، وَعَنْ شَمَائِلِنَا ، وَمِنْ فَوْقِنَا ، وَنَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نُغْتَالَ مِنْ تَحْتِنَا ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ أَحْيِنَا سُعَدَاءَ وَأَمِتْنَا شُهَدَاءَ وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَةِ الْأَتْقِيَاءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ . اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ وَأَنْتَ فِي عَلْيَائِكَ ، وَأَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ إِلَيْكَ ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيعًا ، سَحًّا غَدَقًا ، مُجَلَّلًا عَامًّا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ ، اللَّهُمَّ غَيْثًا تُحِيي بِهِ الْبِلَادَ وَتَرْحَمُ بِهِ الْعِبَادَ وَتَجْعَلُهُ بَلَاغًا لِلْحَاضِرِ وَالْبَادِ . }رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عِبَادَ اللهِ : }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ {. فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
ابو وهب- متميز
- عدد المساهمات : 24
نقاط : 62
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 12/11/2020
صفحة 2 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى