سلمان الفارسي
صفحة 2 من اصل 1
سلمان الفارسي
ومن بلاد فارس, عانق الإسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد, فجعل منهم أفذاذا لا يلحقون في الإيمان, وفي العلم.. في الدين, وفي الدنيا..
وإنها لإحدى روائع الإسلام وعظمائه, ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في إعجاز باهر, كل نبوغها ويحر
ج
كل طاقاتها, ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فإذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسامون..
وإذا بهم يبزغون من كل أفق, ويطلعون من كل بلد, حتى تزدحم عصور الإسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل, والإرادة, والضمير.. أوطانهم شتى, ودينهم واحد..!!
ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا, بل وعد به وعد
َ
صدق
ٍ
من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي
َ
العين راية الإسلام تخفق فوق مدائن الأرض, وقصور أربابها..
وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة و
ُ
ثقى
.
كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. إذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة, مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين, متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.
ووضعت خطة الحرب الغادرة, على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها, بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل, ومن وراء صفوف المسلمين, الذين سيقعون آنئذ بين شقي رحى تطحنهم, وتجعلهم ذكرى..!
وفوج
ئ
الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.
وسقط في أيدي المسلمين, وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.
وصوّر القرآن الموقف, فقال الله تعالى:
(
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ
)
.
الأحزاب (10)
أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه, وأصحابه..
وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الإسلام خطرا عليها.
إنها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا, وجماعات, وقبائل, ومصالح..
ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..
وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..
وطبعا, أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟
هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين, الغزير الشعر, الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما, واحتراما كبيرا.
تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية, نظرة فاحصة على المدينة, فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة, ومهيأة, يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.
وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال, فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.
والله يعلم , ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة, وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة, حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها, وبدّدت شملها..
ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل إلى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!
خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه, اعترضت معولهم صخور عاتية..
كان سلمان قوي البنية شديد الأسر, وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا, ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!
وذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية.
وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة..
وحين رآها دعا بمعول, وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلا
عن مرمى الشظايا..
وسمّى بالله, ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة, وهوى به على الصخرة, فإذا بها تنثلم, ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.
ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها, أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:
"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس, ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة, ومدائن كسرى, وان أمتي ظاهرة عليها"..
ثم رفع المعول, وهوت ضربته الثانية, فتكررت
ا
لظاهرة, وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع, وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:
"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم, ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء, وان أمتي
ظاهرة عليها".
ثم ضر
ب
ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها, وأضاء برقها الشديد الباهر, وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما, وصاح المسلمون في إيمان عظيم:
هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله..!!
كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير, حين استعان عليها برسول الله صلى الله ع
ل
يه وسلم, وكان قائما إلى جوار الرسول يرى الضوء, ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها, وواقعا يحياه, فرأى مدائن الفرس والروم..
رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..
رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!!
وها هو ذا, جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أما
م
داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة, ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس إلى المسيحية, ثم إلى الإسلام..
كيف غادر ثراء أبيه الباذخ, ورمى نفسه في أحضان الفاقة, بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!!
كيف بيع في سوق الرقيق, وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟
كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟
تعالوا نقترب من مجلسه الجليل, ونصغ إلى النبأ الباهر الذي يرويه..
[كنت رجلا من أهل أصبهان, من قرية يقال لها "جي"..
وكان أبي دهقان أرضه.
وكنت من أحب عباد الله إليه..
وقد اجتهدت في المجوسية, حتى كنت قاطن النار التي نوقدها, ولا نتركها نخبو..
وكان لأبي ضيعة, أرسلني إليها يوما, فخرجت, فمررت بكنيسة للنصارى, فسم
ع
تهم يصلون, فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت من صلاتهم, وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, فما برحتهم حتى غابت الشمس, ولا ذهبت إلى ضيعة أبي, ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري...
وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم, فقالوا في الشام..
وقلت لأبي حين عدت إليه: إني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم, ورأيت أن دينهم خير من ديننا..
فحاذرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..
وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام, أن يخبروني قبل عودتهم إليها لأرحل إلى الشام معهم, وقد فعلوا, فحطمت الحديد وخرجت, وانطلقت معهم إلى الشام..
وهناك سألت عن عالمهم, فقيل لي هو الأسقف, صاحب الكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم, وأصلي وأتعلم..
وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, إذ كان يجمع الصدقات من الإنس ليوزعها, ثم يكتنزها لنفسه.
ثم مات..
وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه, فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه, ولا أعظم منه رغبة في الآخرة, وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة..
وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى, فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟
قال: أي بني, ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل..
فلما توفي, أتيت صاحب الموصل, فأخبرته الخبر, وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم, ثم حضرته الوفاة, سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم, فرحلت إليه, وأقمت معه, واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات..
ثم حضرته الوفاة, فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه, آمرك أن تأتيه, ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا.. يهاجر إلى أرض ذات نخل بين جرّتين, فان استطعت أن تخلص إليه فافعل.
وان له آيات لا تخفى, فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة, إذا رأيته عرفته.
ومر بي ركب ذات يوم, فسألتهم عن بلادهم, فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟.. قالوا: نعم.
واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى, وهناك ظلموني, وباعوني إلى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير, فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي, والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها.
وأقمت عند الرجل الذي اشتراني, حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة, فابتاعني منه, ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فو
الله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..
وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.
واني لفي رأس نخلة يوما, وصاحبي جالس تحتها إذ أقبل رجل من يهود, من بني عمه, فقال يخاطبه: قاتل الله بني
قريظة
إ
نم ليتقاصفون على رجل بقباء, قادم من مكة يزعم أنه نبي..
فو
الله ما
إ
ن قالها حتى أخذتني العرواء, فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا, أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟
فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة, ثم قال: مالك ولهذا..؟
أقبل على عملك..
فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه, فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة, وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة, فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به..
ثم وضعته, فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا..
فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!!
ثم رجعت وعدت إلى الرسول عليه السلام في الغداة, أحمل طعاما, وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية, ووضعته بين يديه, فقال لأصحابه كلوا باسم الله..
وأكل معهم..
قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكل الهدية..!!
ثم رجعت فمكثت ما شاء الله, ثم أتيته, فوجدته في البقيع قد تبع جنازة, وحوله أصحابه وعليه شملت
ي
ن مؤتزرا بواحدة, مرتديا الأخرى, فسلمت عليه, ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره, فعرف أني أريد ذلك, فألقى بردته عن كاهله, فإذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة, كما وصفه لي صاحبي..
فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه, وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن..
ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..
وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك", فكاتبته, وأمر الرسول
أصحابه كي يعاونوني. وحرر الله رقبتي, وعشت حرا مسلما, وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق, والمشاهد كلها. هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.
بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله, وترسم له دوره في الحياة..
فأي إنسان شامخ كان هذا الإنسان..؟
أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة, وفرضته إرادته الغلابة على المصاعب فقهرتها, وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟
أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه
طائعاً
مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه إلى المجهول بكل أعبائه, ومشاقه, ينتقل من أرض إلى أرض.. ومن بلد إلى بلد.. ناصبا, كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس, والمذاهب والحياة.. ويظل في إصراره العظيم وراء الحق, وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى, فيجمعه بالحق, ويلاقيه برسوله, ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض, وعباده المسلمون يملؤ
و
ن أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!
ماذا نتوقع أن يكون إسلام رجل هذه همته, وهذا صدقه؟
لقد كان إسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده, وفطنته, وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب.
أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.
وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم, وكان نافلة..
فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي, وأصلي له..؟ّ
فأجابه سلمان قائلا:
إن لعينك عليك حقا, وان لأهلك عليك حقا, صم وافطر, وصل ونم..
فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
" لقد أشبع سلمان علما ".
وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا, كما كان يطري خلقه ودينه..
ويوم الخندق, وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..
وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".
وانه بهذا الشرف لجدير..
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:
[ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟
أوتي العلم الأول, والعلم الآخر, وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر, وكان بحرا لا ينزف].
ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.
ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا, فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا, إذ جمع أصحابه وقال لهم:
"هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!
وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة.
لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا, ومجاهدا وعابدا.
وعاش مع خليفته أبي بكر, ثم أمير المؤمنين عمر, ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.
وفي معظم هذه السنوات, كانت رايات الإسلام تملأ الأفق, وكانت الكنوز والأموال تحمل إلى المدينة فيئا وجزية, فتورّع الأنس في صورة أعطيت منتظمة, ومرتبات ثابتة.
وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها, فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها
وإنها لإحدى روائع الإسلام وعظمائه, ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في إعجاز باهر, كل نبوغها ويحر
ج
كل طاقاتها, ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فإذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسامون..
وإذا بهم يبزغون من كل أفق, ويطلعون من كل بلد, حتى تزدحم عصور الإسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل, والإرادة, والضمير.. أوطانهم شتى, ودينهم واحد..!!
ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا, بل وعد به وعد
َ
صدق
ٍ
من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي
َ
العين راية الإسلام تخفق فوق مدائن الأرض, وقصور أربابها..
وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة و
ُ
ثقى
.
كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. إذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة, مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين, متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.
ووضعت خطة الحرب الغادرة, على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها, بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل, ومن وراء صفوف المسلمين, الذين سيقعون آنئذ بين شقي رحى تطحنهم, وتجعلهم ذكرى..!
وفوج
ئ
الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.
وسقط في أيدي المسلمين, وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.
وصوّر القرآن الموقف, فقال الله تعالى:
(
إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ
)
.
الأحزاب (10)
أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه, وأصحابه..
وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الإسلام خطرا عليها.
إنها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا, وجماعات, وقبائل, ومصالح..
ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..
وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..
وطبعا, أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟
هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين, الغزير الشعر, الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما, واحتراما كبيرا.
تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية, نظرة فاحصة على المدينة, فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناك فجوة واسعة, ومهيأة, يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.
وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال, فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.
والله يعلم , ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختها المفاجأة, وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة, حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها, وبدّدت شملها..
ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل إلى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!
خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه, اعترضت معولهم صخور عاتية..
كان سلمان قوي البنية شديد الأسر, وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا, ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!
وذهب سلمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية.
وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة..
وحين رآها دعا بمعول, وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلا
عن مرمى الشظايا..
وسمّى بالله, ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة, وهوى به على الصخرة, فإذا بها تنثلم, ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.
ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها, أي يضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:
"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس, ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة, ومدائن كسرى, وان أمتي ظاهرة عليها"..
ثم رفع المعول, وهوت ضربته الثانية, فتكررت
ا
لظاهرة, وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع, وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:
"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم, ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء, وان أمتي
ظاهرة عليها".
ثم ضر
ب
ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها, وأضاء برقها الشديد الباهر, وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية الله يوما, وصاح المسلمون في إيمان عظيم:
هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله..!!
كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير, حين استعان عليها برسول الله صلى الله ع
ل
يه وسلم, وكان قائما إلى جوار الرسول يرى الضوء, ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى البشرى حقيقة يعيشها, وواقعا يحياه, فرأى مدائن الفرس والروم..
رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..
رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!!
وها هو ذا, جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أما
م
داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة, ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس إلى المسيحية, ثم إلى الإسلام..
كيف غادر ثراء أبيه الباذخ, ورمى نفسه في أحضان الفاقة, بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!!
كيف بيع في سوق الرقيق, وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟
كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟
تعالوا نقترب من مجلسه الجليل, ونصغ إلى النبأ الباهر الذي يرويه..
[كنت رجلا من أهل أصبهان, من قرية يقال لها "جي"..
وكان أبي دهقان أرضه.
وكنت من أحب عباد الله إليه..
وقد اجتهدت في المجوسية, حتى كنت قاطن النار التي نوقدها, ولا نتركها نخبو..
وكان لأبي ضيعة, أرسلني إليها يوما, فخرجت, فمررت بكنيسة للنصارى, فسم
ع
تهم يصلون, فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت من صلاتهم, وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, فما برحتهم حتى غابت الشمس, ولا ذهبت إلى ضيعة أبي, ولا رجعت إليه حتى بعث في أثري...
وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم, فقالوا في الشام..
وقلت لأبي حين عدت إليه: إني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم, ورأيت أن دينهم خير من ديننا..
فحاذرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..
وأرسلت إلى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم إذا قدم عليهم ركب من الشام, أن يخبروني قبل عودتهم إليها لأرحل إلى الشام معهم, وقد فعلوا, فحطمت الحديد وخرجت, وانطلقت معهم إلى الشام..
وهناك سألت عن عالمهم, فقيل لي هو الأسقف, صاحب الكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم, وأصلي وأتعلم..
وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, إذ كان يجمع الصدقات من الإنس ليوزعها, ثم يكتنزها لنفسه.
ثم مات..
وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه, فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه, ولا أعظم منه رغبة في الآخرة, وزهدا في الدنيا ودأبا على العبادة..
وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى, فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟
قال: أي بني, ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه إلا رجلا بالموصل..
فلما توفي, أتيت صاحب الموصل, فأخبرته الخبر, وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم, ثم حضرته الوفاة, سألته فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم, فرحلت إليه, وأقمت معه, واصطنعت لمعاشي بقرات وغنمات..
ثم حضرته الوفاة, فقلت له: إلى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه, آمرك أن تأتيه, ولكنه قد أظلك زمان نبي يبعث بدين إبراهيم حنيفا.. يهاجر إلى أرض ذات نخل بين جرّتين, فان استطعت أن تخلص إليه فافعل.
وان له آيات لا تخفى, فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة, إذا رأيته عرفته.
ومر بي ركب ذات يوم, فسألتهم عن بلادهم, فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم إلى أرضكم؟.. قالوا: نعم.
واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى, وهناك ظلموني, وباعوني إلى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير, فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي, والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها.
وأقمت عند الرجل الذي اشتراني, حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة, فابتاعني منه, ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فو
الله ما هو إلا أن رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..
وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف.
واني لفي رأس نخلة يوما, وصاحبي جالس تحتها إذ أقبل رجل من يهود, من بني عمه, فقال يخاطبه: قاتل الله بني
قريظة
إ
نم ليتقاصفون على رجل بقباء, قادم من مكة يزعم أنه نبي..
فو
الله ما
إ
ن قالها حتى أخذتني العرواء, فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا, أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟
فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة, ثم قال: مالك ولهذا..؟
أقبل على عملك..
فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه, فقلت له: إنكم أهل حاجة وغربة, وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة, فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به..
ثم وضعته, فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط إليه يدا..
فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!!
ثم رجعت وعدت إلى الرسول عليه السلام في الغداة, أحمل طعاما, وقلت له عليه السلام: إني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية, ووضعته بين يديه, فقال لأصحابه كلوا باسم الله..
وأكل معهم..
قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكل الهدية..!!
ثم رجعت فمكثت ما شاء الله, ثم أتيته, فوجدته في البقيع قد تبع جنازة, وحوله أصحابه وعليه شملت
ي
ن مؤتزرا بواحدة, مرتديا الأخرى, فسلمت عليه, ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره, فعرف أني أريد ذلك, فألقى بردته عن كاهله, فإذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة, كما وصفه لي صاحبي..
فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه, وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن..
ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..
وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك", فكاتبته, وأمر الرسول
أصحابه كي يعاونوني. وحرر الله رقبتي, وعشت حرا مسلما, وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق, والمشاهد كلها. هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد ج4.
بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله, وترسم له دوره في الحياة..
فأي إنسان شامخ كان هذا الإنسان..؟
أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة, وفرضته إرادته الغلابة على المصاعب فقهرتها, وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟
أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه
طائعاً
مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه إلى المجهول بكل أعبائه, ومشاقه, ينتقل من أرض إلى أرض.. ومن بلد إلى بلد.. ناصبا, كادحا عابدا.. تفحص بصيرته الناقدة الناس, والمذاهب والحياة.. ويظل في إصراره العظيم وراء الحق, وتضحياته النبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى, فيجمعه بالحق, ويلاقيه برسوله, ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض, وعباده المسلمون يملؤ
و
ن أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!
ماذا نتوقع أن يكون إسلام رجل هذه همته, وهذا صدقه؟
لقد كان إسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده, وفطنته, وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب.
أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.
وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم, وكان نافلة..
فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي, وأصلي له..؟ّ
فأجابه سلمان قائلا:
إن لعينك عليك حقا, وان لأهلك عليك حقا, صم وافطر, وصل ونم..
فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:
" لقد أشبع سلمان علما ".
وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا, كما كان يطري خلقه ودينه..
ويوم الخندق, وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..
وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".
وانه بهذا الشرف لجدير..
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:
[ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟
أوتي العلم الأول, والعلم الآخر, وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر, وكان بحرا لا ينزف].
ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.
ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا, فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا, إذ جمع أصحابه وقال لهم:
"هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!
وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة.
لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا, ومجاهدا وعابدا.
وعاش مع خليفته أبي بكر, ثم أمير المؤمنين عمر, ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.
وفي معظم هذه السنوات, كانت رايات الإسلام تملأ الأفق, وكانت الكنوز والأموال تحمل إلى المدينة فيئا وجزية, فتورّع الأنس في صورة أعطيت منتظمة, ومرتبات ثابتة.
وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها, فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها
????- زائر
صفحة 2 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى